قل: " عقوبات " ولا تقل: " فـتــو ر اً "

0 التعليقات

قل: " عقوبات " ولا تقل: " فـتــو ر اً "

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد

فكل عام وأنتم بخير.. تقبل الله منا ومنكم.. وأعاد الله علينا وعليكم رمضان أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ونحن وأمتنا في أعز مكانة، وأشرف حال..

اخوتاه..

تعالوا نصحح مفهوماً خطيراً:

لماذا يتوقع كثير من الناس (الفتور) بعد رمضان؟ نعم يتوقع ذلك ولو قبل أن يشعر به !!

سؤال:

إذا أقبل العبد على الله تعالى ثلاثين يوماً، فهل المفترض في هذه الحال أن يطرده الله عن جنابه؟!

  • هل قال لنا الله تعالى: إذا تقرب إلي عبدي شبراً طردته من رحمتي؟!
  • هل قال الله لنا وسبحانه وتعالى: إذا ذكرني عبدي في نفسه، شغلته بمعصيتي، وصددته عن سبيلي؟!

حاشا وسبحان الله وتعالى عن هذا علواً كبيراً

بل ربنا غفور شكور

انظر إلى عقيدة أهل الجنة: { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 34]

نعم.. إنا ربنا شكور ؛ يجازي القليل من العمل بالكثير من التوفيق في الدنيا؛ قال سبحانه:

{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } [الليل: 5-7]

وقال سبحانه: { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } [الكهف: 13]

هذا في الدنيا..

ثم يبعثهم سبحانه يوم الجزاء{ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 30]

قال جل جلاله: { وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } [الشورى: 23]

ويقال لأهل الجنة يوم الجزاء: { إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورً }

فإذا كان الأمر كما قرأت .. دنيا وآخرة ..

فهل يسوغ لكسلان، أو معجب، أو مغرور: أن يعلل سفول همته بعد رمضان بأنه فتور.. ثم لا يرى أن ذلك عاراً، بل ساغ له أن يظن أنه (فتور طبيعي) !! ، نتيجة طبيعية للإقبال على العبادة !!

سبحان الله !!

معجب حتى في فتوره !!

مغرور وهو يعترف أنه لا يصنع شيئاً !!

أيها الإخوة !

إنها دعوى كاذبة ؛ جهل بالله وبطبيعة الطريق إليه، وبسننه في خلقه..

تأمل كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن لكل شيء شرة ولكل شرة فترة فإن صاحبها سدد وقارب فارجوه وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه " [الترمذي وصححه الألباني]

نعم أيها الإخوة.. إن عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية..

فهل معنى هذا الرضا بنقص الإيمان؟!

ما معنى أن ينقص الإيمان؟ حاول أن تتوقع: نقص الإيمان يعني زيادة ماذا؟

يقول الله عز وجل: { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ } [آل عمران: 167]

فالشرة والفترة واقع، وزيادة الإيمان ونقصانه عقيدة.. لكن إذا تُرك الإيمان ينقص فإلى أين؟

إن مكمن الخطر هنا يتضح في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن صاحبها سدد وقارب فارجوه"

إذا ضعف الإيمان فإن المؤمن لا يترك السبيل بالكلية..

إذا قل الأعوان فإن المحب لا يزال يمسك بطرف الحبل..

وإن مضى رمضان فإن سبل الجنة لم تغلق دون المشتاق إليها..

وإن مضى رمضان فإن طريق النار لم يفتح أمام الفار عنها..

وإن مضى رمضان فإن الشياطين لا سلطان لها على المتقين..

إذن فليس المتوقع بحسب سنن الله تعالى وصفاته جل جلاله أن الطاعة تؤدي إلى المعصية !

قل لي:

فبم إذن تفسر الفتور بعد رمضان؟

أيها الإخوة..

إنها عقوبات

إن من الناس من يكره الله طاعته والعياذ بالله..

يقول الله جل جلاله: { وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا } [التوبة: 46]

الله جل جلاله عليم بذات الصدور، خبير بالنوايا والخفايا، يقول سبحانه: { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } [الأنفال: 23]

فابحث عما تجاهلت أن تفقهه. فعاقبك الله بصرف قلبك عنه: { ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ } [التوبة: 127]

ابحث عما رآه الله منك فعاقبك بتيسير العسرى: { وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } [الليل: 8-10]

ابحث عما توليته من دون الله فعاقبك بالتمادي في توليه من دونه سبحانه: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 115]

اخوتاه ..

صححوا هذا المفهوم ؛ إنه متعلق بالعقيدة.. لا تنسبوا لله كسلكم .. لا تتعللوا بالقدر

أصلوا هذا الاعتقاد:

{ وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا } [الإسراء: 19]

{ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } [التغابن: 17]

إن التفلت من الدين عقوبة، وليس أمراً طبيعياً يُستساغ

فالواجب بناءً على هذا المفهوم بعد التصحيح

يومٌ من رمضان

دعك من الشكاوى، لا يقتلك الوهم، لا تشكو الفتور، لا تنطق هذه الكلمة: (عندي فتور)

انطلق انطلق.. اعمل اعمل

اثبت.. اسكت.. اقرأ.. اعمل .. اذكر.. ادع.. صلِّ.. اتلُ.. صم.. قم.. تصدق.. انصح.. صل رحمك..

واللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك

اللهم زدنا ولا تنقصنا وأعطنا ولا تحرمنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين




من هذا المقبول فنهنيه؟

0 التعليقات














الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أيها الأحبة في الله .. كل عام وأنتم بخير.. تقبل الله منا ومنكم

من هذا المقبول الذي أعين على الصيام والقيام؟

وعلى إصلاح وظائف الأعمال من الصلوات المكتوبات والجمعات؟

من هذا المقبول الذي أعين على وظيفة الصدقة ووظيفة تلاوة القرآن؟

وختم له رمضان بالسداد في الأعمال الصالحات ؟

من هذا المقبول فنهنيه؟

مقتضيات القبول

أولا : الانكسار لعظمة الله :

وتهنئتنا له وتهانينا إليه بفضل الله عز وجل الذي آتاه، وأن ذلك يعني منه مزيد انكسار لعظمة الله ، وعرفان بنعمة الله عز وجل ، ومزيد سعي لشكران تلك النعم .

فعن أبي عمران الشيباني : قال موسى يوم الطور : يا رب .. إن أنا صليت فمن قبلك ، وإن أنا تصدقت فمن قبلك، وإن أنا بلغت رسالاتك فمن قبلك، فكيف أشكرك؟

فقال الله تعالى لموسى : الآن شكرتني .

فهذا قول الكليم .. كليم الله عز وجل .. وهو قول العارف بفضل الله المقر بإحسانه ، قال : يا رب ، إن أنا صليت فمن قبلك ، لا من سعي من نفسي ، ولا من تحصيلها ، فلو وكلت إلى نفسي ، ولو وكلت النفس إلى ما فيها ، لما كان من العبد إلا العجز والتقصير ، والتواني والذنب ، والخطيئة والسيئات .

يا رب .. إن أنا صليت فمن قبلك ، وإن أنا تصدقت فمن قبلك ، فكذلك ليس المال من تحصيلي ، بل هو من رزقك وفضلك وعطائك ، ولو شئت لم أكتسب شيئا من ذلك المال ، وقد أحضرت الأنفس الشح ، وجبلت على الإمساك والبخل ، فلولا أن تجود علي بمباعدة شح نفسي ، ما كان مني صدقة ولا إنفاق .

فيا رب ، إن أنا تصدقت فمن قبلك ، فليس لي من ذلك العمل أي شيء أنسبه لنفسي .

ويا رب ، إن بلغت رسالاتك فمن قبلك ، فليس ذلك البيان ، ولا الشفقة على المكلفين ، ولا الإعانة على البلاغ، ولا إيصال ذلك إلى قلوب المكلفين ، ولا حركة المكلفين بموجب ذلك ، وليس شيء من ذلك من سعي العبد ولا من تحصيله ؛ بل كل ذلك بفضل الله عز وجل وإحسانه .

وإن أنا بلغت رسالاتك فمن قبلك ؛ فكيف أشكرك ؟

فلو كانت الصلاة شكرا ، فما هي من سعي ، والشكر فعل ينسب إلى العبد لا إلى صاحب الإنعام والإكرام .

وإن كانت الصدقة شكرا ، فهي كذلك من فضل ؛ فليس ينسب إلى العبد شيء من ذلك .

وإن كان البيان عن الله والبلاغ لرسالته شمرا ، فهو كذلك من الله عز وجل لا من المخلوقين .

ذهبت حيل السعاة في شكر الله ، وعجزوا عن شكر الله عز وجل على نعمه ، فأصبح إقرارهم بالعجز هو إعلانهم بالشكر لله عز وجل على نعمائه .

فكان جواب الكريم للكليم : الآن شكرتني .

إقرارك بعجزك عن الشكر هو حقيقة ذلك الشكر ، فإن شكر نعمة الله عز وجل يكون بنعمة أخرى من الله عز وجل وفضل وإحسان ، يستوجب شكرا آخر ، حتى يكون الشكر الآخر نعمة أخرى تستوجب شكرا آخر ، وهكذا .

فيفضي الحال إلى الإقرار بالعجز ، والإعلان بالقصور ، وأن شكر نعمة الله عز وجل هو الإعلان بالعجز عن شكره.

ثانيا : شهود منة الله :

فليت شعري من هذا المقبول فنهنيه على فضل الله الذي آتاه ؟

وأن ذلك يقتضي الإعلان بشكر نعمة الله ، والإعلان بالعجز عن القيام بذلك ، وأن ذلك يقتضي مع تلك التهنئة الالتفات للعمل والنظر إليه ، حتى يشهد منة الله عز وجل فيما كان ، وحتى يرى تقصير نفسه في كل عبادة يرى فيها أوجه عجزه وأبواب قصوره وضعفه وتوانيه وتباطئه مع فضل الله عز وجل السابق ، وإحسان الله تعالى الغالب عليه .

ثالثا : مطالعة عيب النفس والعمل :

وتهنئة المقبولين تعني التفاتاً إلى نعمة رب العالمين ، وتعني رجوعا إلى هذه الأعمال التي كانت ، بالنظر إليها ، والتفتيش في أوجه القصور والنقص فيها ، وأنه كان ينبغي أن تكون هذه الأعمال أفضل مما تأدت ، وأن حق الله عز وجل أعظم من ذلك ، وأن حق خطايا هؤلاء المقبولين وسيئاتهم يقتضي عملا أكثر ، فما يزيل أدران قلوبهم أضعاف أضعاف ما قدموا ، بل إن هذه السيئات والعيوب تقتضي منهم سعيا موصولا وعبادة غير منقطعة وشغلا دءوبا بذكر الله عز وجل ومحبته إلى الممات ، لا يقوم حق الله عز وجل بدون ذلك .

فليت شعري من المقبول ؟ ، حتى يستحق تلك التهاني ، وينال مع تلك التعاني تنبيهات على سعيه .

رابعا : استقامة القلب :

ليت شعري من هذا المقبول فتهنيه ؟ ، حتى تكون تهنئتنا له على ما نال قبله من ذل لله عز وجل وتعظيم لأمره ، وانكسار من ذلك القلب ، ورقة على الخلق ليستديم ذلك الحال ، وليتحول إلى شخص آخر بعد منحة الله عز وجل له في رمضان ، وعطائه إليه وإحسانه .

خامسا : الثبات على العمل الصالح :

ليت شعري من المقبول فنهنيه ؟ ، بأن يرجو موسم رمضان آخر بينهما عبادة موصولة ، وشغل بالله عز وجل وطاعته وخدمته ومحبته ، شغل دائم غير منقطع .

ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ؟ حتى تكون تهنئتنا له سببا لثباته على ما وفقه الله عز وجل له من العمل الصالح .

فما ينقضي مع انقضاء رمضان صيامه ..

وما يذهب مع ذهاب ليالي رمضان قيامه ..

وما يعود إلى ما كان منه من وحشة بينه وبين مصحفه وورد قرآنه ..

ليتحول إلى شخص مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد كان عمله ديمة

وقال صلى الله عليه وسلم: " إن أحب الأعمال إلى الله عز وجل أدومها وإن قل " [متفق عليه]، فأحب العمل أدومه وإن قل ، فيكون تهنئتنا للمقبولين سبباً لدوامهم على ما آتاهم الله عز وجل من أسباب التوفيق ، فيقتدون في ذلك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ؛{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثيرا ) [ الأحزاب : 21]

تهانينا .. تهانينا

أيها المقبول .. تهانينا ؛ ولكن لا تغتر ، إنما قبلت بتوفيق الله ، وتسديد الله ، وفضل الله ورحمته ، وليس منك ، فليتعلق قلبك بالله شكرا لله .

أيها المقبول .. تهانينا ؛ ولكن لا تفرح بعملك ؛ فإن الله يستحق أكثر من ذلك .

أيها المقبول .. تهانينا ؛ ولكن احرس قلبك حتى لا تضيع لذة الطاعة التى حصلتها في رمضان .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن احذر المشي والقعود مع البطالين والاغترار بهم .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن اعلم أن علامة القبول الازدياد كل يوم من الطاعة .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن سل نفسك : هل قوة الاندفاع للعبادة ضعفت عند أم لا ؟

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن هل لو مت الآن ستجد الله راضيا عنك ؟

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن سل نفسك : هل عملي يبلغني أعلى الجنان أم يكفي لمجرد نجاتي من النار ؟

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن احذر الفتور والقعود عن طاعة الله .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن إذا لعبت أو لهوت بعد رمضان فهذه علامة الخسران .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن احذر أن يعود قلبك لقساوته بعد أن أنجلي في رمضان .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن احذر أن تهدم ما بنيته ، وتعبت فيه وسهرت من أجله .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن احذر أن تكون رمضانيا ، تتعامل مع الله شهرا وتتركه أحد عشر .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن احذر أن تزوغ بقلبك بعد أن ذقت وعرفت ، حتى لا تثبت على نفسك الحجة يوم القيامة .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن اعلم أن واجب الشكر لله يحتم عليك أن تشكر نعمة الطاعة التى وفقك الله إليها وأعانك عليها بالعمل ، قال تعالى : { اعملوا ءال داود شكرا وقليل من عبادي الشكور } [ سبأ : 13]

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن لا تهن نفسك بعد أن أكرمك الله بالعبودية له وحده .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن احذر أن تعصى ربك وتهجر كلامه .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن احذر جمود العين وسوء الأخلاق .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن احذر تضيع الأوقات ، فكما كنت حريصا على الوقت في رمضان حافظ عليه بعده.

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن حافظ على الشحنة الإيمانية الكبيرة التى معك وزد عليها ولا تنقص .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن هل أنت حزين بانتهاء الشهر أم فرحان ؟

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن أريدك أن تقارن بين قلبين : قلبك في رمضان ، وقلبك بعد رمضان .. انظر وتأمل.

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن سل نفسك : هل أنا بعد رمضان مقبل على الدنيا بقلبي وعقلي أم أن الآخرة مازالت أكبر همي ؟

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن احذر أن ينتهي الصيام بانتهاء رمضان .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن السعيد من استعد ليوم الوعيد .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن احذر من الاعتماد على ما قدمت ؛ فإن من يحب مولاه يواصل السير إليه .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن احذر الالتفات والمكر ؛ فالله معك يسمعك ويراك .

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن اعلم أن الحقيقة ، حقيقة القلب لا الظاهر فحسب ، قال تعالى : { ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا } [الإسراء : 25].

أيها المقبول .. تهانينا؛ ولكن احذر ضياع التقوى التى حصلتها .

أيها المقبول تهانينا ؛ ولكن احذر أن يقال لك : تعازينا ..

وليت شعري من هذا المحروم فنعزيه ؟

حتى يرى أن مصيبة الدين أعظم من مصيبة الدنيا ، وأن الضر الذي يكون في عمله الصالح ينبغي أن يكون أشد عليه من ضره في بدنه أو ماله ، وأنه مهما أصابه من مصائب الدنيا، فحق جبرانها وتعويضها مضمون ، وأما مصيبة الدين فحظه من الله عز وجل قد ذهب ، وحظه من الآخرة قد ولى .

مقتضيات الحرمان

فليت شعري كيف يستدرك ذلك ، وقد فات وذهب بذهاب أيامه وأزمانه ؟

أولا : الإقرار بظلمه لنفسه :

ليت شعري من هذا المحروم فنعزيه ؟ ، وكلنا ذلك المحروم ، حتى يعلم أن ما أصابه بكسبه ومرذول عمله وسيئاته في قصده ووجهته ، وأن ذلك مع إحسان الله عز وجل وفضله غير لائق منه ، وغير مناسب لعقله وإيمانه ، وأن الله تعالى لم يظلمه شيئا ، ولكن ظلم نفسه .

قال سبحانه في الحديث القدسي " يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" [مسلم]

ثانيا : التنبيه لشؤم السيئات :

ليت شعري من هذا المحروم فنعزيه ؟ ليعلم أن هذه السيئات والتفريطات إنما هي نتاج سابق السيئات والتفريطات، وأن جزاء الحسنة التوفيق لحسنة بعدها، وأن عقوبة السيئة الخذلان حتى يقع في سيئة تتلوها وتكون بعدها .

ثالثا : لزوم الوقوف بالباب :

ليت شعري من هذا المحروم حتى نعزيه ؟ ، ليكون عزاؤنا أن فضل الله عز وجل الواسع يقتضي لزوم الوقوف بالباب ، وألا يفارق العبد باب ربه مهما كان من ظلم العبد أو سوء فعله ، فلا يزال من الله عز وجل الكرم والجود ، وإن كان من العبد البخل والإمساك ، ولا يزال من الله عز وجل الإحسان والعطاء ، وإن كان من المكلفين الإساءة وسوء الفعل .

رابعا : لزوم التوبة :

ليت شعري من هذا المحروم فنعزيه ؟ ، ليعلم أن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس في مغربها ، ويعلم أن باب الله عز وجل لا يزال مفتوحا ، وأن الله تعالى لا يرد توبة التائب " لله عز وجل أفرح بتوبة أحدكم من أحدكم وقع على بعيره وقد أضله في أرض فلاة " [متفق عليه].

فلا تزال التوبة متاحة ما لم تبلغ روحك أيها المحروم حلقومك ، فمتى أمدك الله عز وجل وأفسح في أجلك فلا تزال مدة تراجعك قائمة ، لا يزال أمر توبتك لازما غير معفي أنت منه .

خامسا : إصلاح العمل :

ليت شعري من هذا المحروم فنعزيه ؟ ، حتى يعلم أنه لابد له من أن يصلح عمله ؛ حتى يكون عمله ذلك بالنية الخالصة لرب العالمين ..

وحتى يكون عمله ذلك وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وحتى يكون عمله ذلك خاليا من آفة الغرور وآفة العجب ، فلا يرى عملا يعجب به ، بل يرى فضل الله يستوجب انكساره وذله لربه ، وإعلانه بالعجز عن شكره ، ولا يرى نفسه التي تأدي منها العمل ، بل يرى نفسه التي هي أسباب القصور في العمل والعجز عن القيام بحق الله تعالى .

سادسا : إنما يتقبل الله من المتقين :

قال علي رضي الله عنه: " كونوا لقبول العمل أشد منكم اهتماما بالعمل ، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : { إنما يتقبل الله من المتقين } .

وقال بعضهم : لأن أعلم أن الله يتقبل مني مثقال حبة من خردل أحب الي من الدنيا وما فيها ، لأن الله عز وجل يقول : { إنما يتقبل الله من المتقين } .

وقال بعضهم : كانوا يدعون الله عز وجل ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ثم يدعونه ستة أشهر أخرى أن يتقبل منهم رمضان .

كل ذلك يعني أن رمضان بذهاب أيامه لم ينقص، وأن وظائف رمضان لا تزال قائمة، وأن ما كان من عمل في رمضان فلايزال ينادي على المكلفين ويستتبع اهتمامهم بقبول ذلك العمل، بعدما وقع منهم العمل ، فقد كانوا يجتهدون في العمل الصالح ، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا؟ وكان خوفهم ألا يقبل منهم عملهم أشد عليهم من العمل نفسه ، فما يذهب بذهاب مواسم الطاعات الإقبال على الله عز وجل ، ولا الاهتمام بالأعمال الصالحات .

بل إذا ذهبت مواسم الطاعات ؛ بقي بعد ذلك استكمال حقوق هذه الطاعات ، واستتمام ما يكون من لوازمها، من النظر فيها . والتفتيش في آفاتها ، والحذر من إفشائها ؛ حتى تكون أبعد عن الرياء .

تعازينا .. تعازينا

أيها المحروم .. تعازينا ؛ أيها المحروم جبر الله مصيبتك ؛ ولكن لم تنته الدنيا بانتهاء رمضان ومازال في العمر بقية ، ومازال ربنا جل جلاله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، فتب وقد تاب الله عليك .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن لا تيأس : { ألا تحبون أن يغفر الله لكم } [النور : 22] ، إذا كان في الصوم دعوة مستجابة ؛ ففي كل ليلة ربك يقول في الثلث الآخر : " هل من سائل فأعطيه " ، ما زالت أمامك تفرصة لم تنته ، القضية أنك لن تخلك في جهنم مادمت موحدا ، مازالت أمام فرص .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن قف لتنظر من أين أتيت ، لم خذلت ، بم انتكست ، لا شك أنه من عند نفسك ، { وما ربك بظلام للبيد } [فصلت:46] ، الفرص كانت أمامك متاحة وأنت خذلن نفسك ، أنت أوكست نفسك ، { وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين } [ الزخرف : 76 ] ؛ فلذلك قف لتتخلص من النفس الأمارة بالسوء، قف لتتأمل كيف ضاع منك رمضان كما ضاع سنين، قف فالمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن إن كان قد ضاع منك رمضان ؛ فإن الله الحي باق معك على الدوام ، يدعوك للإقبال عليه والإنابة إليه ؛ فأقبل تقبل .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أعلم أن أبواب الرحمات مفتوحة طوال العام ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يقبل توبة العبد مالم تطلع الشمس من مغربها " [مسلم].

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن لازلت حياً تستطيع أن تستدرك ما فاتك ؛ بالتوبة والعزم على استغلال رمضان القادم ؛ فاستعد من الآن.

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أعلم أن مواسم الطاعة متنوعة وكثيرة ، ومن فضل الله علينا أنها في كل شهر ، فبعد رمضان ست من شوال ، ثم عشر من ذى الحجة ، ثم الحج ، ثم شهر المحرم ، وهكذا مواسم وطاعات طوال العام .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أمامك صيام الاثنين والخميس ، وثلاثة أيام من كل شهر ، وقيام إحدى عشرة ركعة يوميا ، والصدقة ، وقراءة القرآن وغير ذلك ، فهي أبواب للخير في رمضان وغيره ؛ فأقبل ولا تحزن .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن حاول أن تقوم بعمرة في الفترة القادمة ؛ لتعوض ما فاتك وتجبره .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن لا تخف ولا تحزن ؛ فالكريم سبحانه شكور يشكر على القليل ، ثم ينميه ، ولكن بشرط الإخلاص .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن اقتنص كل فرصة بعد ذلك تأتيك في طاعة الله .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، وتعلم من أخطائك حتى تتقدم بعد ذلك .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن في لحظة تستطيع أن تكون وليا حقا .. تقيا حقا، بالتوبة والإقبال على الله، والندم على ما فات ، والعزم على الإصلاح .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن لا تيأس ؛ فإنه { لا يايئس من روح الله إلا القوم الكافرون } [يوسف : 87 ].

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن معك سلاح قوي تستطيع أن تفتح به كل مغلق وهو الدعاء ، فالزم التضرع والافتقار .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن ندمك على ما فاتك يرضي الله عنك فيرحمك ، فأبشر مادمت نادما عازما .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أبشر فأنت مسلم موحد تصلي وتذكر الله وتحب نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم؛ فيرجى لك ومنك الخير .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن حاول مرة أخرى ، وتأس بالنمل ، المخلوق الضعيف الذي يحاول مرات ومرات ؛ حتى يسلك الطريق الذي يريده .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أبشر ؛ فإن لك ربا هو الله ، الغني القوي الحنان المنان الملك الرحمن الرحيم الودود اللطيف يقول : " من تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا " .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أبشر بجنة عرضها السماوات والأرض إن استقمت وعدت إلى الله .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن لازالت معك الجوهرة العظيمة ، والمعجزة الخالدة ، تراها وتمسك بيدك : القرآن الكريم ، فأسعد به واتله ليلا ونهارا .

أيها المحروم .. تعازينا؛ ولكن أبشر تفاءل بندمك وتوبتك وتحسرك على ما فات منك ، فتلك علامة ثحة قلبك ، وادع الله أن يبلغك الخير .

أيها المحروم ، تعازينا ؛ ولكن انتظر أن نقول لك : تهانينا .؟

ليت شعري من المحروم فنعزيه ؟ ، حتى يحبس نفسه على طاعة الله ويمنعها من مألوفاتها ومحبوباتها وشهواتها ، ويعلم أنم ذلك الحرمان إنما أصابه لاستغراقه في تحصيل شهواته ، ولتركه سنن النبي صلى الله عليه وسلم حتى قعدت به عاداته ومألوفاته عن فوز عظيم . يا حسرة على ما فاته !!..

من صام رمضان وهو يعزم إذا ذهب رمضان أن لا يعصي الله تعالى ؛ فإنه مقبول بغير حساب ولا عذاب ، ومن صام رمضان وهو يعزم إذا ذهب رمضان أن يعصي الله تعالى ، فصومه مردود عليه ، وعمله غير مقبول منه .

فليت شعري من هذا المحروم فنعزيه ؟ ، حتى يكون عزاؤنا له إلزاما له ببداية توبته واستكمال استقامته ، ويحذره من أن لا يأتيه رمضان آخر ، حتى يكون ذلك تحذيرا له من أن يأتيه الموت بغتة ، { أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرط في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين = أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين = أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين = بلى قد جاءتك ءاياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين } [الزمر : 56-59]

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

اللهم اجعلنا من المقبولين ، ولا تجعلنا من المحرومين

اللهم اجبرنا وارحمنا

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين